Friday, October 25, 2013

مامادووووو

مامـــادو صديقـــي مامـــادو أخــــي منذ أيام، بدأ الحديث عن وصول عديد الجثث إلى شواطئ جرجيس، ويقال أيضا أنهم أفارقة يحاولون الوصول إلى أوروبا انطلاقا من ليبيا غير أنّ الحظ لم يسعفهم. وكان كل من يعرف نشاطي البيئي وحراكي الدائم على طول الشواطئ، يسألني عن تلك الجثث وهل تحصلت على نصيب منها، في شكل من المزاح الثقيل غير أنّي لم أكن أمزح وأتألّم أيضا كلّما أجد دلفين أو سلحفاة لفضها البحر وما أدراك بأحاسيسي عندما يكون الموضوع متعلق بالبشر. في حقيقة الأمر كنت تألّم في نفسي وأستغرب لعدم إلتقائي بأصدقائي المهاجرين أحياءا أو أمواتا، لأنّني أعتبر نفسي جاهزا لمؤازرتهم ومساعدتهم والتضامن معهم في كل الحالات... وأختم بهم مجموعة ما يأت من الضفّة الأخرى للبحر من بقايا حضارة الاستهلاك والاغتراب الإنساني إلى ضحايا هذه الهجرة الطبيعيّة إلى الشمال. لقد رأيته يومها من بعيد، بين الأعشاب البحريّة على مرمى من الأمواج... خلته في البداية سلحفاة منكفئة على نفسها، غير أنّه حالما اقتربت كان صديقي مامادو نائما على بطنه ونصف رأسه مغمور بالرمال ولا يظهر منه سوى ظهره الأسود الفاتح لجسم كله عضلات وقوّة بارزة للعيان... تسمّرت في مكاني، انصهرت مع مكاني وزماني، أفرغت وشحنت مخيالي ومكنوني... لأنطلق في صرخة غضب عارم زلزلت المكان وأفزعت الطيور والغربان... صرخة احتجاج وتنديد هائلة موجهة إلى الأرض والسماء وأصحاب القرار في كل الدول والأمصار... ثمّ تلوت عليه الفاتحة وسور من القرآن الكريم ومكثت دقائق أخرى صامتا احتراما لديانته التي قد تكون أيضا مسيحيّة أو وثنيّة أو غيرها... ولم أصوّر صديقي لأنّ جسمه وروحه وتلك اللّحظة المؤثرة لا يمكن سجنها وإخراجها من حالتها الطبيعيّة والإلهيّة. وعندما جاءت الحماية المدنيّة والحرس الوطني لنقل الجثة، إثر مكالمتي، فرحت لشدّة تأثرهم واحترامهم الواضح لصديقي مامادو بالرغم من صعوبة التعامل مع هذه الوضعيّة... وفي المساء، في المنزل دون علم العائلة، عملت على أن نتناول جميعا مأدبة عشاء محترمة على روح أخي وصديقي مامادو، بمناسبة نزوله بين أهله في دفئ إنسانيتهم، ريثما يستيقظ العالم ويرجع لهذا الشباب المسالم حقه في الحياة الكريمة. محسن لهيذب 11/08/2002 ذاكرة البحر والإنسان

No comments: